[b][center]الحلقة الثالثة من
يوم في بيت الرسول
مزاح رسول الله
النبي القائد مهموم بأمر أمته، وبجيوشه، وقواده، وبأهل بيته، وبالوحي تارة
وبالعبادة أخرى، وهناك هموم أخرى، إنها أعمال عظيمة تجعل أي رجل عاجزًا عن
الوفاء بمتطلبات الحياة وبث الروح فيها، ولكنه عليه الصلاة والسلام أعطى
كل ذي حق حقه فلم يقصر في حق على حساب آخر وفي جانب دون غيره، فهو مع
كثرة أعبائه وأعماله جعل للصغار في قلبه مكانًا، فقد كان عليه الصلاة
والسلام يداعب الصغار ويمازحهم ويتقرب إلى قلوبهم ويدخل السرور على نفوسهم
كما يمازح الكبار أحيانًا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله: إنك تداعبنا( )، قال: «نعم. غير أني لا أقول إلا حقًا»( ).
ومن مزاحه ما رواه أنس بن مالك قال: «إن النبي قال له: يا ذا الأذنين»( ).
وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان ابن لأم سليم يقال له أبو عمير كان النبي
ربما مازحه إذا جاء فدخل يومًا يمازحه، فوجده حزينًا، فقال: «مالي أرى
أبا عمير حزينًا» فقالوا: يا رسول الله مات نغره الذي كان يلعب به، فجعل
يناديه: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟»( ).
ومع الكبار كان للرسول مواقف يروي أحدها أنس بن مالك رضي الله عنه
فيقول: إن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام، قال: وكان النبي
يحبه وكان دميمًا، فأتاه النبي يومًا يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو
لا يبصر: فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي فجعل لا يألو ما ألزق
ظهره بصدر النبي حين عرفه، وجعل النبي يقول: «من يشتري العبد» فقال:
يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدًا، فقال النبي: «لكن عند الله أنت
غال»( ).
إنه حسن خلق من كريم سجاياه وشريف خصاله عليه الصلاة والسلام.
ومع تبسط الرسول مع أهله وقومه فإن لضحكه حدًا فلا تراه إلا مبتسمًا كما
قالت عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت رسول الله مستجمعًا قط ضاحكًا حتى ترى
منه لهواته( )، وإنما كان يبتسم»( ).
ومع هذه البشاشة وطيب المعشر إلا أنه يتمعر وجهه إذا انتهكت محارم الله
قالت عائشة رضي الله عنها: قدم رسول الله من سفر، وقد سترت سهوة لي
بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله هتكه وتلون وجهه وقال: «يا عائشة:
أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله»( ).
فدل هذا على تحريم اتخاذ الصور في البيت إذا كانت بارزة، وأشد منه تحريمًا
الصور المعلقة في الجدار أو التماثيل المنصوبة في الأركان وعلى الأرفف
والمناضيد، فإن ذلك مع الإثم المترتب عليه يحرم أهل البيت من دخول ملائكة
الرحمة في ذلك البيت.
نوم النبي
عن أبي رضي الله عنه أن رسول الله قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه،
فليأخذ داخلة إزاره -أي طرفه- فلينفض بها فراشه وليسم الله، فإنه لا يعلم
ما خلفه بعده على فراشه، فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن،
وليقل: سبحانك اللهم ربي بك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفس فاغفر لها
وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين»( ).
وكان من توجيهه لكل مسلم ومسلمة: « إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن»( ).
وعن عائشة قالت: «كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه
فنفث فيهما، وقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و قُلْ أَعُوذُ
بِرَبِّ الْفَلَقِ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثم مسح بهما ما
استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يصنع ذلك ثلاث
مرات»( ).
عن أنس بن مالك: أن رسول الله كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله
الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي»( ).
وعن أبي قتادة: «إن النبي كان إذا عرس( ) بليل اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه»( ).
ومع نعم الله عز وجل التي أغدقها علينا، تأمل أخي الحبيب في فراش سيد
المرسلين وخاتم النبيين وأفضل الخلق أجمعين خير من وطأت قدمه الثرى.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إنما كان فراش رسول
الله الذي ينام عليه من أدم حشوه ليف»( ).
ودخل عليه نفر من أصحابه ودخل عمر، فانحرف رسول الله فلم ير عمر بين
جنبيه وبين الشريط ثوبًا، وقد أثر الشريط بجنب رسول الله فبكى عمر، فقال
له النبي : «ما يبكيك يا عمر»؟ قال: والله إلا أن أكون أعلم أنك أكرم على
الله عز وجل من كسرى وقيصر، وهما يعبثان في الدنيا فيما يعبثان فيه، وأنت
رسول الله بالمكان الذي أرى! فقال النبي : «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا
ولنا الآخرة»؟ قال عمر: بلى، قال: «فإنه كذلك»( ).
قيام الليل
قد أقبل ليل المدينة وخيم بسواده عليها، لكن الرسول أضاء جوانحه بالصلاة
وذكر الله وقام ليله يتهجد ويناجي رب الأرض والسموات ويدعو من بيده مقاليد
الأمور استجابة لأمر خالقه وبارئه يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ
اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا *
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا( ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله يقوم يصلي حتى تنتفخ
قدماه، فيقال له: يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك
وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟»( ).
وعن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله
بالليل فقالت: «كان ينام أول الليل ثم يقوم فإذا كان له حاجة ألم بأهله،
فإذا سمع الأذان وثب، فإن كان جنبًا أفاض عليه من الماء وإلا توضأ وخرج
إلى الصلاة»( ).
وصلاة الرسول بالليل فيها من العجب ما يجعلنا نتأمل في طولها ونتخذها قدوة وأسوة.
عن أبي عبد الله حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: «صليت مع النبي
ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في
ركعة، فمضى، ثم افتتح آل عمران فقرأها، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء
فقرأها، يقرأ مترسلاً( )، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل،
وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه
نحوًا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ثم قام طويلاً
قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبًا من
قيامه»( ).
بعد الفجر
بعد هدوء ليل المدينة ومع إشراقات الفجر حيث تم أداء صلاة الفجر مع
الجماعة في المسجد كان عليه الصلاة والسلام يجلس بعد صلاة الفجر لذكر الله
حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين،
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: «أن النبي كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنًا»( ).
وقد حث عليه الصلاة والسلام على الإتيان بهذه السنة العظيمة وذكر بما فيها من الأجر والمثوبة.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: «من صلى الفجر في
جماعة،ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة
وعمرة، تامة، تامة، تامة»( ).
صلاة الضحى
قد انتصف النهار واشتدت حرارة الشمس، وأقبلت السموم الحارقة تلفح الوجوه،
إنها فترة الضحى، وقت عمل وقضاء حوائج، ومع كثرة أعباء الرسالة ومقابلة
الوفود، وتعليم الصحابة، وحقوق الأهل، فقد كان يتعبد الله عز وجل.
قالت معاذة: قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان النبي يصلي الضحى؟ قالت: «نعم أربع ركعات ويزيد ما شاء الله عز وجل»( ).
وقد أوصى بها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي بصيام
ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد»( ).
صلاة النوافل في البيت
هذا البيت العامر بالإيمان، المليء بالعبادة والذكر، يوصي النبي أن يكون
لبيوتنا مثل ذلك، فيقول : «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها
قبورًا»( ).
قال ابن القيم رحمه الله: وكان يصلي عامة السنن والتطوع الذي لا سبب له
في بيته، لاسيما سنة المغرب فإنه لم ينقل عنه أنه فعلها في المسجد ألبتة،
ولصلاة النوافل في البيت فوائد منها: اتباع سنة النبي ، وتعليم النساء
والأطفال كيفية الصلاة، وطرد الشياطين منه بسبب الذكر والقراءة وأدعى
للإخلاص والبعد عن الرياء.